محمد بن عبد الله بن راشد البكري نسباً القفصي مولداً
الشهير بابن راشد
(650 - 1250 / 736هـ - 1336م)
هو محمد بن عبد الله بن راشد البكري القفصي ولد بمدينة قفصة، رحل إلى تونس وتتلمذ على ابن الغماز وحازم القرطاجني ثم سافر إلى مصر واستقر فترة بالإسكندرية، ودرس على ناصر الدين الابياري تلميذ ابن الحاجب وناصر الدين بن المنير والكمال بن التنيسي وضياء الدين بن العلاف ، ثم سافر إلى مدينة القاهرة فدرس على امام المالكية شهاب الدين القرافي وعلى تقي الدين بن دقيق العيد . وبعد أن حج عاد ابن راشد إلى قفصة وتولى بها القضاء، ولكنه لم يستمر بهذا المنصب طويلا؛ بسبب كثرة الوشايات والحساد، وساءت علاقته بالحكام فضيقوا عليه حتى اعتزل الناس، وخصص بقية عمره للعلم وكتابة الكتب، ولعلها كانت سببا في غزارة مؤلفاته إذ انتج كثيرًا من كتب الفقه وأصوله وعلوم اللغة العربية فانتشرت مصنفاته في مشارق الأرض ومغاربها وكثر اشتغال طلاب العلم بدراستها ونسخها وعدها بعض أهل العلم أكثر من ستين مجلدا . ترك ابن راشد القفصي ثروة علمية قل نظيرها رغم إن كثيرا منها تفرق في الأمصار وضاع ولكن الذي بقي محفوظا في عدد من المكتبات يعتبر هاما جدا ويعتبر أكثرها قيمة كتاب تلخيص المحصول الذي شرح فيه كتاب الرازي في أصول الفقه وكتاب نخبة الواصل في شرح الحاصل والشهاب الثاقب في شرح ابن الحاجب وهو شرح مختصر بسط به كتاب ابن الحاجب وجعل التعامل معه متيسرا لطلبة العلم، وكتاب الفائق في الاحكام والوثائق، وكتاب المذهب في ضبط مسائل المذهب ، وكتاب لباب اللباب وكتاب النظم البديع في اختصار التفريع وهو اختصار لكتاب التفريع لابن الجلاب، وكتاب تحفة اللبيب في اختصار ابن الخطيب وهو في تفسير القران .
محمد بن عبد اللَّه بن راشد البكري نسبًا، القفصي بلدًا، نزيل تونس ويعرف بابن راشد شارح ابن الحاجب
ذكره في الأصل،
ونزيد هنا ما ذكره هو في نفسه، قال ملخصه:
قرأت العربية والفرائض والحساب وأدركت بتونس جلة من النبلاء وصدورًا من النحاة والأدباء، فأخذت عنهم ثم تشاغلت بالأصول والفقه زمانًا، ثم رحلت إلى الاسكندرية في زمن الملك السعيد فلقيت بها صدورًا أكابر وبحورًا زواخر كقاضي القضاة ناصر الدين بن المنير، وكان ذا علوم فائقة، والكمال ابن التنسي يدعى مالكًا الصغير يدرس التهذيب، وقاضي القضاة ناصر الدين بن الأبياري تلميذ أبي عمر بن الحاجب، وضياء الدين بن العلاق.
وكان فروعيًا مجيدًا، ومحيي الدين حافي رأسه نحويًا أديبًا أنشدني لنفسه:
عتبتُ على الدُّنيا لتقديمِ جاهلٍ ... وتأخير ذي فضلٍ فقالت خُذ العُذرا
ذوو الجهل أبنائي وكلُّ فضيلةٍ ... فأَربابُها أَبناءُ ضرتي الأخرى
فأخذت عنهم ثم رحلت للقاهرة إلى شيخ المالكية في وقته فقيد الاشكال والاقران نسيج وحده وثمر سعده، ذي العقل الوافي والذهن الصافي الشهاب القرافي. كان مبرزًا على النظار محرزًا قصب السبق، جامعًا للفنون معتكفًا على التعليم على الدوام، فأحلَّني محلّ السواد من العين والروح من الجسد، فجلت معه في المنقول والمعقول، فحفظت الحاصل وقرأته مع المحصول، فأجازني بالإمامة في علم الأصول وأذن في التدريس والإفادة، وترددت في أثناء ذلك إلى مجلس الإمام الأوحد العارف بالأصلين الجامع للمذهبين قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، كان يدرس مختصر ابن الحاجب ويثني عليه كثيرًا، ويقول: إنه احتوى على أربعين ألف مسألة فاعتكف على حفظه ودرسه، وإلى شيخ العقليات بحر المعاني الشمس الأصبهاني استفدت منه طريقته الرشيقة وأبحاثه الأنيقة، وكان يشكر ذهني ويفضّلني على غيري، وإلى الشرف الكركي، وكان لي معه أبحاث ومذاكرات وغيرهم ممن لا يحصى كثرة.
ولما ظفرت من العلوم بما أردت رجعت إلى وطني فشرعت في الدروس ومالت إليّ النفوس، ولما توليت القضاء ضاق بأُناس متسع القضاء فسلقوني بألسنة حداد، ولي أُسوة بمن تقدم، وكان ذلك سببًا في الظهور وتضاعف الخسران عليهم حتى سكنوا القبور.
في أيام الامتحان ألفت في الأصول [تأليفًا] سميته "تلخيص المحصول في علم الأصول" وسهلته بأمثلة، ثم "الفائق في معرفة الأحكام والوثائق" في سبعة أسفار من القالب الكبير، ثم "المذهب في ضبط مسائل المذهب" في ستة أسفار من القالب الصغير، ثم "النظم البديع في اختصار التفريع"، ثم "الموهبة السنية في العربية"، ثم "المرقبة العليا في تعبير الرؤيا"، ثم شرح ابن الحاجب المسمى "الشهاب الثاقب" في شرح لفظه وحل مشكلاته وإيضاح رموزه، وإشاراته، وعزو مسائله وتقرير دلائله، وقد استخرجت مسائلها في أماكنها، ولم يبق منها إلا نحو خمس مسائل لم أقف على النقل فيها، وكذا بعض الأحوال -اهـ- ملخصًا.
وذكر ابن فرحون أنه لم يقف على وفاته وأنه حيّ في وقت وصول أبي الحسن المريني لتونس- اهـ. وفيه نظر لأن أبا الحسن إنما ملك تونس ودخلها في عام ثمانية وأربعين وسبعمائة.
فائدة:
ولما زعم صاحب الترجمة في شرح قول ابن الحاجب في القصاص فإن كان فيهم صغير فثلاثة لابن القاسم وعبد الملك وأشهب أن المؤلف خالف عادته وتمشية الأقوال، إذ مقتضى عادته أن يجعل الأول لعبد الملك والثاني لابن القاسم، إذ عادته جعل الثبوت للقول الأول والسلب للثاني- اهـ.
قال ابن عبد السلام: هذا الذي قال إنه عادة المؤلف في هذا الكتاب ليس كذلك وإنما يفعل هذا صدر كلامه بالثبوت كما قال، فإن كان فيهم صغير ففي انتظار بلوغه ثلاثة، ولما قال هنا: ثالثها إن لم يكن قريبًا من المراهق لم ينتظر، ومفهوم الشرط يدل على أنه إن كان قريبًا من المراهقة انتظر، كان هذا القول مركبًا من هذين الجزأين الأول منهما هو القول الأول وهو عدم انتظار مطلقًا وهو لابن القاسم، والجزء الثاني هو القول الثاني الانتظار مطلقًا وهو لعبد الملك، وهذا جلي من كلام المؤلف معلوم من عادته يعرفه الصبيان الذين تدربوا بنظر هذا الكتاب وخفي على هذا الشارح وهو يزعم أن له فهمًا لا يشاركه غيره فيه- اهـ.
قال الشيخ أحمد الونشريسي: قد أفرط ابن عبد السلام -رحمه اللَّه- في الرد على ابن راشد، مع ما له من مزية التقدم في العلم والصلاح وابتكار الشرح ونهج السبيل، نفعنا اللَّه بهم ويرحم اللَّه الشيخ أبا عبد اللَّه بن الحباب، فإنه لما توفي القاضي ابن راشد -رحمه اللَّه- بتونس حضر جنازته الأعلام كابن هارون وابن عبد السلام وابن الحباب وغيرهم، وكان ابن عبد السلام وابن هارون مستندين إلى حائط جبانة، وجلس ابن الحباب إلى ظهر الحائط من الجانب الآخر ثم ترحم ابن الحباب على ابن راشد وذكر مآثره وتفننه في العلوم، وقال لو لم يكن من فضائله إلا ابتكاره لشرح ابن الحاجب [لكفى]. قال: وجاء هؤلاء السراق بعده، يشير إلى ابن عبد السلام وابن هارون فسرقوا كلامه ونسبوه لأنفسهم وأشار إليهما وهما يسمعان- اهـ. فرحمه اللَّه تعالى عليهم ونفعنا بهم
|
قفصة: بالفتح ثم السكون، وصاد مهملة، القفص:
الوثب، والقفص: النشاط، هذا عربي، وأما قفصة اسم البلد فهو عجمي: وهي بلدة صغيرة في طرف إفريقية من ناحية المغرب من عمل الزاب الكبير بالجريد بينها وبين القيروان ثلاثة أيام مختطة في أرض سبخة لا تنبت إلا الأشنان والشيح، يشتمل سورها على ينبوعين للماء أحدهما يسمى الطرميذ والآخر الماء الكبير وخارجها عينان أخريان إحداهما تسمى المطوية والأخرى بيش وعلى هذه العين عدة بساتين ذوات نخل وزيتون وتين وعنب وتفاح، وهي أكثر بلاد إفريقية فستقا ومنها يحمل إلى جميع نواحي إفريقية والأندلس وسجلماسة، وبها تمر مثل بيض الحمام، وتمير القيروان بأنواع الفواكه، قال:
وقد قسم ذلك الماء على البساتين بمكيال توزن بهمقادير شربها معمولة بحكمة لا يدركها الناظر، لا يفضل الماء عنها، ولا يعوزها تشرب في كل خمسة عشر يوما شربا، وحولها أكثر من مائتي قصر عامرة آهلة تطرد حواليها المياه تعرف بقصور قفصة، ومن قصور قفصة طراق، وهي مدينة حصينة أجنادها أربابها، لها سور من لبن عال جدا طول اللبنة عشرة أشبار خربه يوسف بن عبد المؤمن حتى ألحقه بالأرض لان أهلها عصوا عليه مرارا، ومنها إلى توزر، مدينة أخرى، يوم ونصف، وقال ابن حوقل: قفصة مدينة حسنة ذات سور ونهر أطيب من ماء قسطيلية وهي تصاقب من جهة إقليم قمودة مدينة قاصرة، قال: وأهلها وأهل قسطيلية والحمة ونفطة وسماطة شراة متمردون عن طاعة السلطان، وينسب إلى قفصة جميل بن طارق الإفريقي، يروي عن سحنون بن سعيد.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك