تاريخ قبيلة قريش
هم ولد النضر بن كنانة، وهم معدن النبوة والخلافة والشرف. ذكر البيهقي أن قريشا لم تكن تسمى بهذا الاسم حتى قرشها قصي بن كلاب رئيسها - أي جمعها حول الحرم - فعظمت من ذلك الحين.
وقد أرخت العرب من حينئذ. وقيل: إنما سميت قريشا باسم دابة في البحر تلتقم دوابه، ولها الغلبة والصولة يقال لها: القرش، وهي معروفة إلى اليوم.
ومن كتاب المعاقل في فضل قريش: عن النبي صلى الله عليه: "فضل الله قريشاً بسبع خصال: أن منهم، وأن الله أنزل فيهم سورة في كتابه العزيز لم يذكر فيها أحداً غيرهم، وأنهم عبدوا الله عشر سنين ما عبده أحد قبلهم، وأن الله نصرهم يوم الفيل، وأن الخلافة والسدانة والسقاية فيهم".
قال ابن حزم: من ولده النضر بن كنانة فهو من قريش، ومن لم يلده فليس بقرشي. وصار لقريش الحرم. وأخرجوا إلى ضواحي مكة سائر كنانة، فكان لهم الشرف بذلك.
وأول من ضم أمرهم وجمعهم - كما تقدم - وأخذ مفتاح البيت من خزاعة.
قصي بن كلاب
ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر. قال البيهقي: لما صار له مفتاح البيت، ووقعت الحرب بين خزاعة وبين بني فهر فأخرجتهم بنو فهر من
---------------
1- نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب – ابن سعيد المغربي
مكة، صار لهم المفتاح والسلطنة إلا أن خزاعة لم تدن بسلطتهم ولا سائر كنانة، ولم ينقد بعض رؤسائهم إلى بعض. فاتفقوا على الرياسة بأسطارها المعلومة عندهم، وهي ستة: السدانة، وهي ولاية مفتاح الكعبة؛ والثانية:
الرفادة وهي الطعام الذي يصنع في الموسم لفقراء الحجاج؛ والثالثة: السقاية، وهي حياض من أدم كانت على عهد قريش توضع بفناء الكعبة ويشرب الحجاج منها؛ والرابعة: دار الندوة.
، كانوا يجتمعون فيها للمشاورة؛ والخامسة: اللواء والسادسة: إمارة الجيوش والكتائب. وأعلى هذه من جهة الدين الكعبة، ومن جهة الدنيا الإمارة، وكان قصي قد جمعها كلها.
وقيل في قريش:
أبوكم قصي كان يدعى مجمعاً به جمع الله القبائل من فهر
قال صاحب تواريخ الأمم: "وكان قصي بن كلاب في زمن فيروز بن يزدجرد" ملك الفرس.
وقال البيهقي: إن العرب أرخت بموت جده كعب بن لؤي لعظمته عندها، ثم أرخت باجتماعها لقصي وأخذه مفتاح الكعبة.
قال البيهقي: وكان قصي معدوداً في السلطنة، ولما كثرت الحروب بين قريش وخزاعة، وكانت الرسل تتردد بين الفريقين فلا تؤدي من الكلام ما يقضي بانفصال الحرب، قال لقومه: قد طال الخطب بيننا وبين هؤلاء القوم، وسببه أن الرسل الذين تتردد بيننا تقصر في الكلام، فيطول أمد الحرب. فقالوا: فما الرأي؟ قال: أن أكون المتكلم معهم؛ قالوا: وكيف ذلك؟ قال: نرسل إلى إخواننا من قبائل كنانة ويدخلون بيننا، وأكون أنا المتكلم والحيان متقابلان.
وحضرت كنانة وأميرها الشداخ الشاعر البطل، وحضرت خزاعة، وحضرت قريش، وتقابلوا على هيئة الحرب، فبرز قصي على فرسه وقال: يا معشر خزاعة، لما كان لكم مفتاح البيت والملك علينا، أنازعناكم في شيء من ذلك؟ قالوا: لا؛ قال: فلما أعاد الله لنا بيت آبائنا، لم حسدتمونا فيه وجعلتم
تقاتلونا عليه؟ وأيم الله، لو قاتلنا عليه ولم نكن نأخذه بحق، لكنا في ذلك معذورين؛ فإن طلب الوراثة في الرياسة بالسيف مكرمة، وقد علمتم أنا لا نخليه أبداً! وهؤلاء أخواننا بنو كنانة معنا لا معكم، وأنتم غرباء بعداء من اليمانية في أرض المعدية، فإن جنحتم إلى السلم وطلبتم القرار في مهاد العافية، فأقيموا ما شئتم في بطن مر، ولكن رياستكم، ونحن لا نؤمر عليكم ولا نعترضكم، ولسنا طالبي ملك، ولا حاجة لنا في غير هذا البيت وجوره. فإن انقدتم إلى ما قلته انقدنا إلى حسن جواركم، وشدخت هذه الدماء التي بيننا؛ وإن أبيتم فالسيوف لها الحكم، والنصر من السماء. وللأمور دلائل، وللإقبال علامات، والشقي من عاند السعد عند إقباله!
قال: فامتلأت أسماع خزاعة بهذا الكلام، وعلم عقلاؤهم أنه الحق، فقالوا: ومن يشدخ هذه الدماء، ويضمن ما سلف منها ألا يطالب أحد به، وما يستقبل ألا يراق هدراً؟ فقال قصي: يتولى ذلك سيد بني كنانة يعمر بن عامر الليثي، وهو شداخها، فسمي في ذلك الحين: بالشداخ وعقدوا الأيمان على
ذلك، وقر كل أحد في مكانه.
قال صاحب الكمائم: ولما استقر بقصي القرار بمكة خاف على قريش من التحاسد والتباغض في المجاورة مع المكاثرة، فنظر المستحقين لقرب البيت والقادرين على ذلك قد نازعهم الفريق الآخر، فألزمهم السكنى بمكة والحرم فيما قرب من المدينة والبطاح، وسماهم: قريش البطاح، وأخرج الآخر
إلى ظواهر مكة، وسماهم: قريش الظاهر، فصارت كنانة وخزاعة وقريش الظواهر بادية لقريش البطاح.
تاريخ قريش البطاح
وفيهم العز والنبوة والخلافة ومجاورة الكعبة. قال ابن حزم: جميع ولد قصي بن كلاب المذكور من قريش البطاح، وانضاف لها في السكنى معها من قريش سائر بني كعب بن لؤي بن عامر بن لؤي.
وانضاف لقريش البطاح من بني الحارث بن فهر بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث، وبنو هلال بن ضبة بن الحارث؛ ومن سوى هؤلاء فهم من قريش الظواهر.
قال ابن حزم: "المطيبون من قريش هم: بنو عبد مناف، وبنو عبد العزى، وبنو زهرة، وبنو تيم، وبنو الحارث بن فهر؛ والأحلاف منهم وهم لعقة الدم: بنو عبد الدار، وبنو مخزوم، وبنو سهم، وبنو جمح، وبنو عدي".
فأما الأول فإنهم تحالفوا على طيب تطيبوا به، والأخر تحالفوا على دم لعقوه.
وقال هشام بن محمد الكلبي: الواصلون الذين انتهى إليهم الشرف من قريش في الجاهلية فوصلوه بالإسلام عشرة رهط من عشر أبطن: هاشم، وأمية، ونوفل، وعبد الدار وأسد، وتيم، ومخزوم، وعدي، وجمح، وسهم.
تاريخ بني عبد مناف بن قصي
ذكر البيهقي أنه كان أعظم ولد قصي، وبعده عبد الدار، ثم عبد العزى. وكان عبد مناف في الجاهلية عبد مناة، منسوب للصنم المشهور، ثم كره ذلك، فقيل: عبد مناف.
وكان أبوه قصي قد أعطاه من رياسات قريش: الإمارة مكان المقدم على جيوشهم وكتائبهم، والرفادة فكان يطعم الحجاج في الموسم، والسقاية فكان له سقي الحجيج من بئر زمزم عند الكعبة.
قال: وذهب شرفه كل مذهب، وصار أعظم بني قصي. وكان في زمان قباذ، سلطان الفرس، الذي تزندق واتبع مذهب مزدك، وعزل بني نصر عن الحيرة لأنهم أنفوا من ذلك المذهب، وولى عليها الحارث الكندي جد امرئ القيس الشاعر، وأمر الحارث أن يأخذ العرب المعدية من أهل نجد وتهامة بذلك.
فلما انتهى إلى مكة راسل قريشا في الزندقة، فمنهم من تزندق - وجاء الإسلام ومنهم جملة يشار إليهم بذلك - ومنهم من امتنع؛ وكان رأس الممتنعين عبد مناف، جميع قومه وقال: صارت الأديان بالملك، وأذهبت نواميس الأنبياء والشرائع! أنا لا أتبع دينا بالسيف وأترك دين إسماعيل وإبراهيم!
فبلغ ذلك الحارث، فكتب به إلى قباذ، فأمره أن ينهض إلى مكة ويهدم البيت، وينحر عبد مناف عنده، ويزيل رياسة بني قصي. فكره ذلك الحارث، وداخلته حمية للعرب فدارى عنهم، وشغل قباذ بغيرهم.
وذكر الطبري أن اسم عبد مناف المغيرة، وكانت أمه قد أخدمته مناف الصنم، فقيل: عبد مناف.
قال الزبير بن بكار: فنظر قصي فوجده يوافق عبد مناة بن كنانة، فحوله إلى عبد مناف.
قال الطبري: وكان يقال له: قمر البطحاء.
قال الأصفهاني في كتاب أفعل في الأمثال: "وساد الأربعة من أولاد عبد مناف: هاشم وعبد شمس ونوفل والطلب بعده، ولم يسقط لهم نجم، وجبر الله بهم قريشاً فقيل: "أقرش من المجبرين"؛ لأنهم كانوا سببا في جبر قريش، والتقرش: التجمع، وذلك بالإيلاف الذي صنعوه، وفدوا على الملوك
بتجائرهم، فأخذوا منهم لقريش العصم، فأخذ لهم هاشم حبلا من ملوك الشام حتى اختلفوا بذلك السبب إلى أرض الشام وأطراف الروم، وأخذ لهم عبد شمس حبلا من النجاشي حتى اختلفوا بذلك السبب إلى أرض الحبشة، وأخذ لهم نوفل حبلا من ملك الفرس حتى اختلفوا بذلك السبب إلى أرض العراق وبلاد فارس، وأخذ لهم المطلب حبلا من ملوك حمير حتى اختلفوا بذلك السبب إلى بلاد اليمن".
وقيل فيهم: "أوفد من المجبرين" لكثرة وفادتهم على الملوك.
قال صاحب الكمائم: كانت قريش قد انقطعت عند البيت، وكانت العرب التي حولها تمنعهم من الخروج في طلب المعاش، ولم يكن لهم عيش إلا ما يأتي الموسم أيام الحج. فلما نشأ بنو عبد مناف المذكورون أخذوا العرب بالسياسة والمهاداة إلى أن انقادوا لهم، وفتحوا الطريق لسفارهم حيث شاءوا، فاخترعوا الإيلاف الذي ذكره الله عز وجل، فقال: "لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء
والصيف" (السورة)، وقد تقدم في تاريخ خزاعة مدح مطرود الخزاعي لهم بذلك.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك