مقبرة مأمن الله بين التقديس والتدنيس
دراسة للمشاركة في مؤتمر بيت المقدس الإسلامي الدولي الرابع في فلسطين
( الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي)
62-27 رجب 1434هـ/5-6 /6/ 2013

تعاين الدراسة محورين ؛ الأول : مشهد وصفي تاريخي لمقبرة مأمن الله (ماملا) يرصد تعدد أسمائها ، ويحرص على تأصيل الأسماء المتعددة ، ويجتهدُ في تعليل ظاهرة تعدد الأسماء . ويقف المحور الأول على الوصف الجغرافي لموقع المقبرة ومساحتها . ويرصد المعالم التاريخية الإسلامية للمقبرة بهدف إبراز البعدين التاريخي والديني . وينوه المحور بالمنزلة الدينية والفكرية لعدد من القضاة والعلماء والقادة والساسة المدفونين في مقبرة مأمن الله على اعتبار أن معظمهم منارة علم ومصابيح فكر . والمحور الثاني : مشهد وصفي سياسي يرصد أشكال الاعتداءات الإسرائيلية على المقبرة ابتداء بإقامة ما يُسمى بحديقة الاستقلال على أرض المقبرة وانتهاء بالمشروع المشؤوم الذي يُسمى متحف التسامح الذي تنوي سلطات الاحتلال إقامته في المقبرة بعد تجريف عظام العظماء ورفات القضاة والعلماء !
التسمية
لم يتفق المؤرخون على اسم محدد ، فمن أسمائها ماملا التي تعني ( ماء ميلو ) عند بعض المؤرخين،وذهب بعضهم أن الاسم أحد أحياء القدس قديما . وقيل :إِنّ أصل التسمية نحت من ( مِمَّا من الله ).ومن أسمائها بَاب الله ، وزيتون الْملَّة. وَاسْمهَا عِنْد الْيَهُود بَيت لمواء ، وَعند النَّصَارَى بابيلا. وذهب بعضهم إلى أن الْمَشْهُور على أَلْسِنَة النَّاس مَاملا القلندرية . ويسميها المقدسيون بالعامية ماملا لكنهم عندما يتحدثون بالفصحى يقولون : (مأمن الله ) ، ونجد الاسم مكتوبا أحيانا ماملة. وقد رصد الباحث فهمي الأنصاري أربعة وعشرين اسما لها ، ومنها : أملا ، باب الله ، باب المله ، باملا ، بيت مامل وغيرها ، ورد الباحثُ الأسماءَ إلى مصدرها ، واجتهد في تعليل بعض الأسماء ، نحو: ماملا بمعنى ماء من الله أو بركة من الله ، و(ماميلا) تصحيف لـ (ماملا) بسبب الكتابة الأجنبية (mamilla) ، فالكسرة القصيرة في الكلمة الأجنبية تحولت إلى كسرة طويلة (ياء). وبذل الباحث جهدا طيبا في غير موضع في تعليل تعدد المسميات ـ فذهب إلى أن بعض الأسماء جاء خطأ في النسخ أو الطباعة.
وأرجحُ أن الرواية الشفوية للاسم من أسباب تعدد الأسماء لمقبرة مأمن الله ، فمن المألوف أن يحدث تصحيف للكلمة في الخط واللفظ وبخاصة إذا كانت الكلمة سائرة على الألسن في أماكن مختلفة ، كما أن تعدد الأماكن الجغرافية التي تنتشر فيها الكلمة أسهم في اختلاف لفظها بسبب اختلاف اللهجات العربية ، ومن المعلوم أن اللفظ الواحد يختلف نطقه من لهجة إلى أخرى ، فالاختلاف في لفظ ( ماملله ، ماء من الله ، ماء ملا ) يعود إلى اختلاف اللهجات على الأرجح . وتميل الدراسة إلى أن الرحالة الذين زاروا بيت المقدس أسهموا في تعدد أسماء المقبرة ؛لأنهم كتبوا الاسم كما سمعوه ، وربما كان سمعهم للاسم مضطربا ، واستئناسا بما تقدم فإن تعدد أسماء (بابيلا ، ماميلا ، باملا ، ماملا ) يعود إلى ظواهر صوتية نطقية، كذلك فإن الاختلاف بين لفظ ( ماملاه ) ولفظ ( ماملة) يعود إلى أسباب صوتية وخطية ؛ فكلمة(ماملاه) تنتهي بهاء السكت ، وكذلك كلمة (ماملة) التي أصابها تصحيف في الخط فكُتبت تاء مربوطة بدلا من هاء السكت.
وأزعم أن تعدد التسمية يشتمل على دلالة دينية ـ وذلك أن بعض الأماكن الدينية تتعدد أسماؤها نحو تعدد أسماء مكة ( مكة ، بكة ، البيت العتيق ، البيت الحرام ....الخ ) ، وتعدد أسماء القدس ( القدس ، بيت المقدس ، إيليا ، يبوس ....الخ ) ، وما يعزز هذا الربط أن الاختلاف بين لفظ مكة وبكة يناظر الاختلاف بين لفظ ماملا وباملا ، إذ إن الإبدال بين الميم والباء أمر مألوف في اللغة العربية ، فالباء والميم صوتان شفويان يتشابهان في آلية النطق.
وقد نوه بعض المؤرخين بالمكانة الدينية لمقبرة مأمن الله ، ولعل أبرز الأدلة على البعد الديني للمقبرة ما ورد في باعث النفوس لابن الفركاح في قوله : روي عن خليد بن دعلج قال : سمعت الحسن يقول: من دفن في بيت المقدس في زيتونة الملة فكأنما دفن في السماء ، وعن عبد الرحمن بن عدي المازني قال : سألني عبد الرزاق عن منزلتي فأخبرته إني من بيت المقدس . فقال : هل تعرف زيتون الملة ؟ قال : قلت : نعم ، قال : بلغني أنها روضة من رياض الجنة.
الموقع والمساحة
تقع المقبرة غربي مدينة القدس القديمة على بعد ميل من باب الخليل ، وكانت في الأيام الخالية بعيدة عن العمران ، ولما اتسعت المرافق ، وشاع العمران صارت في وسط المدينة.
وهي من أكبر المقابر الإسلامية في بيت المقدس ، وقدرها المهندسون بتاريخ 16/4/1929 بـِ ( 137.450.29م2) أي بنحو 137 دونما ونصف ، علما أنه استثنى منها بناية الأوقاف التي كانت مبنية على جزء من ارض وقفها ، ومقبرة الجبالية التي كانت على القندرية . وعندما سجلت المقبرة في سجلات دائرة الأراضي – الطابو- بتاريخ 22/3/1938 سجلت مساحتها (134.560) .واستصدر بها وثيقة تسجيل أراضي ” كوشان طابو ” ضمن أراضي الوقف الإسلامي. وذهب بعضهم أن مساحتها 200 دونم ،و لم يبقَ منها إلاَّ 19 دونماً أي نسبة 8% من مساحتها الأصلية.
المعالم التاريخية الإسلامية في المقبرة
لا تقتصر القيمة التاريخية والدينية على قبور العلماء والقضاة والقادة والساسة الذين دفنوا فيها ، بل يشمل البعد التاريخي عددا من المعالم التاريخية التي تعد جزءا من منظومة الآثار الإسلامية في القدس. ومن أبرز المعالم التاريخية في مقبرة مأمن الله :
1-بركة ماملا : تقع وسط مَقْبرَة مَاملا في نهاية وادي الربابة. وأول ذكر لها جاء في وقفية صلاح الدين الأيوبي على الخانقاه الصلاحية التي جاء فيها
ومن ذلك بظاهر القدس البركة المعروفة بماملاه والقناة التي يجري فيها الماء من هذه البركة إلى البركة الجوانية المعروفة بالبطر ).
وهي أقدم البرك عهداً وأكبرها حجماً وأكثرها شهرة. وهو المكان الذي عسكر فيه سنحاريب ملك الأشوريين عندما هبط القدس (710 ق . م ) . وفي هذا المكان دفن عدد كبير من الصحابة والمجاهدين الذين اشتركوا في الفتحين : العمري(636 م) والصلاحي ( 1187 م(. وكانت البركة تجمع مياه الشتاء ثم تُرسل في قناة عبر جورة العناب إلى بركة سليمان القانوني. وقد اعتمد سكان القدس على هذه المياه في العصور الوسطى. ويبلغ طولها 98 مترا وعرضها 95 مترا ، أما عمقها فهو ستة أمتار . وكانت بركة ماملا تسمى بركة البطرك بسبب وجود قناة تحت الأرض توصل مياه البركة إلى حمام البطرك في حارة النصارى في القدس.
والبركة اليوم مهملة خالية من الماء يحيط بها سياجان. وقد كشف رئيس مؤسسة الأقصى المهندس زكي اغبارية عن مخططات لتفعيل بركة تجميع المياه في وسط المقبرة وتحويلها إلى مركز سياحي يشمل تركيب أعمدة إنارة في المقبرة مما يترتب عليه حفر أساسات عميقة سوف تمس قطعاً بحرمة الأموات المدفونين في المقبرة.
2-الزوايا الصوفية
أ) الزاوية القلندرية (حوش قبة بهادر) : تقع في وسط الْمقْبرَة ،وتنسب للشَّيْخ ابراهيم القلندري . وَأقَام فيهَا جمَاعَة من الْفُقَرَاء فنسبت اليه وَسميت بالقلندرية. وَكَانَت فِي عصره السِّت طنشق بنت عبد الله المظفرية الَّتِي كَانَت تحسن الى الشَّيْخ ابراهيم ، وعمرت فِي الزاوية الْمَذْكُورَة قبَّة محكمَة الْبناء على قبر أَخِيهَا بهادر.
وعُرف المكان باسم " أرض الجبالية من ماملا ، ومكانها اليوم في المساحة التي أقيمت عليها بناية الأوقاف.
ب) زَاوِيَة الكبكية: تقع على بعد مائة متر من الشمال الشرقي من بركة ماملا. وهي قبَّة محكمَة الْبناء تعرف بالكبكية . وتُنسب للأمير عَلَاء الدّين آيد غدى ابْن عبد الله الكبكي المدفون فيها. وقد أطلق عليها المؤرخون زاوية وقبة وتربة . وهو بناء مملوكي فوق ضريح الأمير علاء الدين المذكور آنفا .
ت) البسطامية : تقع في الجهة الشمالية للمقبرة ، ودفن فيها أصحاب الطريقة البسطامية ، وقد اندثرت معالمها ، ولم يبق منها إلا قبر الشيخ علي العشقي البسطامي.
3- عمارة الأوقاف : أشرف على بنائها المهندس التركي كمال الدين بك ، والمصري رشدي بك ، والمهندس رشدي الإمام الحسيني . وكُتب في أعلى العمارة :
لسنا وإن أحسابنا كرمت يوما على الآباء نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تنبني ونفعل مثل ما فعلوا
وافتتحت العمارة الكبيرة بالمعرض الصناعي الزراعي الفني في قاعاتها الرحيبة عام 1930. وبدأت فكرة إنشاء عمارة على أرض الوقف في ” مأمن الله ” في بداية السنوات الأولى من العشرينات، وقد راودت هذه الفكرة المسؤولين وقتئذ لأجل الإفادة من ريعها وزيادة واردات الأوقاف . وقد ظهرت وجهات نظر متباينة بين القبول والرفض لهذه الفكرة ، وقد حصلت دائرة الأوقاف على رخصة للبناء على أرض الجبالية بتاريخ 14/7/1926 ، وبدأ العمل بهذا النـزل وانتهى العمل منه عام 1929م ، وجعلت العمارة فندقا من الدرجة الأولى وأطلق عليه اسم فندق ” بالاس ” بإدارة ثابت درويش أحد رجال القدس في تلك الآونة ، ونجح الفندق وصار أشهر الفنادق في بيت المقدس للسائحين والزوار ، ولكن قيام شركة فندق الملك داوود بعد افتتاحه بقليل ، وبناءها الفندق الكبير مواجها لبرج أو محراب داود الذي يحمل اسمه كاد أن يقضي على فندق بالاس.
واستولى الاحتلال البريطاني على مبنى عمارة الأوقاف عقب ثورة 1936 ، وحوله إلى مقر لحكومة الانتداب ، وبعد الاحتلال الإسرائيلي تحول المبنى إلى وزارة الصناعة والتجارة حتى عام 2003 ، ثم تناقلت ملكيته شركات عدة من بينها شركة ريجنسي للفنادق ، ثم اشتراه ثري يهودي أمريكي ، وهُدم من الداخل ولم يبق منه إلا واجهته الخارجية بهدف تحويل مبنى عمارة الأوقاف إلى فندق وشقق سكنية فاخرة تتراوح قيمة الشقة الواحدة بين مليونين وخمسة ملايين دولار.
4-مغارة الجماجم : تقع أسفل مساحة صخرية يغطي التراب معظمها ، وتزيد مساحتها عن دونم ، ومعظمها منحوت في الصخر نحتا هندسيا ، ومن المرجح أن المغارة تعود إلى عصور النحت الرومانية الهيرودسية . وتسمى مغارة الشهداء والبركة العتيقة والبركة العليا .
وتحوي ضحايا مجزرة الصليبيين في المسجد الأقصى عام 1099 . وحين خيم عسكر صلاح الدين قرب المقبرة بأرض النقيفورية جاء من أعلمه بأمر المغارة ، فأشار بوضع نطاق وسياج عليها ، ثم جعل عليها مصلى .
وقيل أن نفقا لا يزال تحت الأرض في الوسط الغربي من المقبرة مليء بالجماجم ،وأن قطره نحو خمسة أمتار وله امتداد أكثر من مائة متر ، وقيل أيضا : أن مغارة أخرى مليئة بالجماجم تقع تحت الفندق الذي أقيم في الزاوية الجنوبية الغربية من المقبرة.
ولكن المغارة التي وجدت فيها الهياكل في مقبرة ماملا ردمت وبُني عليها موقف سيارات.وانتقد الكاتب الروسي الإسرائيلي إسرائيل شامير في مقالة حول انتفاضة الأقصى ردم المغارة ، ورأى أنه كان من الواجب اقامة نصب تذكاري على موقع المغارة ليذكر الأجيال القادمة بتلك الأحداث المؤلمة حتى يرتدعوا ولا ضرر في ذلك كون الأبناء غير مسؤولين عما فعل الآباء.
المدفونون في مقبرة مأمن الله ...منارة علم ، ومصابيح فكر
يُضفي اللقيمي هالة من القداسة في وصفه لمقبرة ماملا ، ويُسبغ عليها من الأوصاف ما يرفع قدرها ويُعلي منزلتها ، ويُنبه في وصفه لها على المكانة الدينية والفكرية والتاريخية لعدد من المدفونين فيها بقوله: وفي يوم الخميس ختام العام ، ذهبت بعد العصر بصحبة أعزة كرام إلى مقبرة ماملا مدفن الخلاصة الأبرار ، الوارد في فضلها الأخبار والآثار . فعن الحسن أن أصلها مأمن الله وأن من دفن فيها فكأنما دفن في السماء ، فزرنا من بها من السادات ووقفنا بأعتاب تلك القادات كالشيخ عبد الله القرشي ، وابن رسلان ، وابن الهمام ، وابن جماعة الكبير الشأن ، والشيخ الدجاني ، والكمال بن أبي شريف كما ذكره الحنبلي صاحب تاريخ القدس الشريف وغيرهم ممن محيت من قبورهم الآثار ، ولم تزل تتلي في الكتب لهم الأخبار ،فقرأت لهم ما تيسر ، وختمت بالسبع المثاني ، ودعوت الله ببلوغ المنى وحصول التهاني ، فانشرح بتلك الزيارة صدري واستبشرت بنجاح قصدي وأمري :
رعى الله وادينا المقدس إنه حوى روضة الفردوس أجداث ماملا
مآثار رضوان ومهبط رحمة أصابت ثراه عالم الغيب مأملا
وتضم أرضها المباركة رفات بعض صحابة رسول الله ، وشهداء هذه الأمة الذين طيبّوا ثراها بدمائهم دفاعا عن قدسيتها وإسلاميتها ، وعلماء أضاءوا بعلمهم مشارق الدنيا ومغاربها ، فهذه المقبرة وما تحويه من العلماء جزء من تاريخ أمتنا عبر العصور من زمن الفاروق عمر – رضي الله عنه – مرورا بشهداء الفتح الصلاحي وحتى آخر شهيد دفن فيها دفاعاً عن قدسيتها وإسلاميتها. وذهب بعضهم إلى أنها تضم رفات أكثر من سبعين ألفاً من الصحابة والعلماء والمجاهدين والشهداء.
ولا تهدف الدراسة إلى رصد أسماء القضاة والعلماء والقادة والساسة والأعيان الذين دُفنوا في مقبرة مأمن الله ، بل تهدف إلى التنويه ببعض أسماء القامات العالية لإظهار الأبعاد الدينية والتاريخية للجرائم التي يقترفها الاحتلال الذي يواصل تجريف القبور ، وتدنيس عظام العظماء ، وإهانة رفات القضاة والعلماء وغيرهم . ومن أبرزهم:
1-مُحَمَّد بن جمَاعَة الْكِنَانِي الشَّافِعِي ، من مواليد القدس ، وكان خطيبا فصيحا في الْمَسْجِد الْأَقْصَى ، وتولى قَضَاء الْقُدس بعد وَفَاة القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن السائح .توفّي رَحمَه الله وَهُوَ بَاقٍ على الْقَضَاء بعد الْعشَاء الْآخِرَة من لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربة ماملا بالحوش الَّذِي بِهِ الشَّيْخ ابو عبد الله الْقرشِي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن ارسلان.
2-الشَّيْخ الامام الْخَطِيب أَبُو الذكا عبد الْمُنعم بن ابي الْفَهم يحيى بن ابراهيم الْقرشِي الزُّهْرِيّ النابلسي الشافعي، ولد في نابلس سنة 603هـ . وكان خطيب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الشريف ، ومكث فيه خَطِيبًا وإماما ومفتيا اكثر من أربعين سنة ، وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا لَهُ ذكر ومنزلة واشتغل بالفقه ، وَكَانَ يحفظ كثيرا من تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم، وَكَانَ النَّاس يقصدونه لاعتقادهم فِي علمه وَدينه ويتلمسون دعاءه وبركته . وَتُوفِّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بالقدس الشريف وَدفن من الْغَد بمقبرة ماملا رَحمَه الله.
3- عماد الدّين أبو حفص عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن القرشي الزهري النّابلسي الخطيب الشّافعي الإمام قاضي نابلس. تفقّه بدمشق وأذن له بالفتوى، وانتقل إلى نابلس، وولي خطابة القدس مدة طويلة وقضاء نابلس معها، ثم ولي قضاء القدس في آخر عمره. قال ابن كثير: له اشتغال وفضيلة. وشرح «مسلما» في مجلدات. وكان سريع الحفظ، سريع الكتابة. مات في المحرم ودفن بتربة ماملا .
4-الْفَقِيه ضِيَاء الدّين ابو مُحَمَّد عِيسَى بن مُحَمَّد الهكاري الشَّافِعِي أحد الْأُمَرَاء بالدولة الصلاحية .كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره يشْتَغل بالفقه بِمَدِينَة حلب فاتصل بالأمير أَسد الدّين شيركوه عَم السُّلْطَان صَلَاح الدّين، وَصَارَ إِمَامه ، وَلما توجه إِلَى الديار المصرية ، وَولي الوزارة كَانَ فِي صحبته . وَفِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة سَار الْملك صَلَاح الدّين لغزو الافرنج فَأسر الْفَقِيه عِيسَى فافتداه بعد سِنِين بستين الف . توفّي سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة بالمخيم بِمَنْزِلَة الخروبة - مَوضِع بِالْقربِ من عكا - وَحمل من يَوْمه الى الْقُدس الشريف وَدفن في ماملا وَكَانَ يلبس زِيّ الأجناد ويعتم بعمائم الْفُقَهَاء فَيجمع بَين اللباسين رَحمَه الله.
5-المستندة آمِنَة ابْنة الْعَلامَة تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي . حدثت في القدس الشريف وَتوفيت فِي ربيع الآخر سنة تسع وَثَمَانمِائَة ودفنت بالزاوية القلندرية من ماملا .
6-الْعَلامَة تَقِيّ الدّين اسماعيل القرقشندي الشَّافِعِي الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شيخ مَدِينَة الْقُدس وعالمها ولد سنة 745 ه ، وَسمع على الْمَيْدُومِيُّ وأخذ عَن أبيه وجده لأمه الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي . كان شيخ الْقُدس فِي الْفَتْوَى والتدريس .توفّي فِي رَجَب 908 ه بالقدس الشريف وَدفن بمقبرة ماملا عِنْد وَالِده وأخته بالقلندرية.
7-الشَّيْخ الامام الْعَلامَة الْمقري الْمُحدث شمس الدّين أَبُو عبد الله ، ولد سنة 794 ه في غزة ، كان شَيخ الْقُرَّاء في القدس ، وسمع الحَدِيث عَلي الْحَافِظ شمس الدّين الْجَزرِي ، وَأخذ عَنهُ علم القرآت، وَأَجَازَهُ وَلبس مِنْهُ خرقَة التصوف . وَكَانَ شَيخا بهي المنظر منور الشيبة توفّي فِي يَوْم الْأَحَد قبيل الْعَصْر الْخَامِس من شهر رَمَضَان الْمُعظم سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن من الْغَد بمقبرة ماملا.
8- حسام الدّين ابي مُحَمَّد الْحُسَيْن الْمَشْهُور بِابْن حَافظ الْحَنَفِيّ إِمَام الصَّخْرَة الشَّرِيفَة ، كَانَ من أهل الْفضل حسن الشكل منور الشيبة ، ولي نصف إِمَامَة الصَّخْرَة الشَّرِيفَة مشاركا لِأَخِيهِ ، وباشرها دهرا طَويلا إِلَى أَن توفّي فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشري الْمحرم يَوْم دُخُول الْحجَّاج الى الْقُدس الشريف فِي سنة خمس وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بماملا.
9-القَاضِي شمس الدّين العليمي الْحَنْبَلِيّ وَالْقَاضِي شمس الدّين المغراوي الْمَالِكِي - الْمُتَقَدّم ذكرهمَا - مولدهما فِي سنة وَاحِدَة وَهِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة وَكَانَا قاضيين بِمَدِينَة الرملة ثمَّ صَارا قاضيين بالقدس الشريف وكل مِنْهُمَا ولي قضا صفد وتوفيا فِي سنة وَاحِدَة وَهِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَمَانمِائَة.
10- شمس الدّين محمد بن عبد الدائم بن عيسى بن فارس البرماوي الشافعي ولد في نصف ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبعمائة، صنّف التصانيف المفيدة، منها «شرح البخاري»، ولخص «المهمات» و «التوشيح» ونظم «ألفية» وشرحها شرحا حافلا في مجلدين، وكان يقول: أكثر هذا الكتاب هو جملة ما حصلت في طول عمري، وشرح «لامية ابن مالك»، واختصر «السيرة» وكتب، وحشّى الحواشي المفيدة، وعلّق التعاليق النّفيسة والفتاوي العجيبة، وكان من عجائب دهره.
أشكال الاعتداءات الإسرائيلية على مقبرة مأمن الله
اعتداءات مبكرة
كل المشاريع التي صممت في عهد الانتداب البريطاني كانت تحمل في ظاهرها صيغة الاعتناء بمقبرة ” مأمن الله ” لكنها في باطنها – علم ذلك أم لم يعلم – كانت تحمل هدفا أساسيا ، تقوم عليه تلك التصاميم والمشاريع وهو إزالة المقبرة.
ففي تاريخ 15/7/1937 كتب مأمور أوقاف القدس إلى مفتش صحة بلدية القدس – وكانت تحت الانتداب البريطاني آنذاك -، الذي كان يعين أعضاءها ويشرف عليها ، (علمنا من أن مواسير مياه قذرة ممدودة في الطريق العام وتصب في مقبرة “مأمن الله ” بصورة مخفية ، وبعد البحث ، علمنا من ناطور المقبرة أن المواسير المذكورة مربوطة من دار عائدة لأحد اليهود غربي المقبرة ، فنرجو التفضل بالكشف عليها لرفع الضرر وتغيير مجرى المياه عن المقبرة ، حرمة لها).
وفي شهر 4/1947 استولى الجيش البريطاني على مقبرة ” مأمن الله ” وأقام فيها ،وهدم أجزاء من سور المقبرة . وأرسل حارس المقبرة ، كتابا الى مأمور أوقاف القدس بتاريخ 4/6/1947 يعلمه بذلك.
ويمكن تصنيف أبرز الاعتداءات التي تتعرض لها مقبرة مأمن الله إلى ما يلي :
1-إقامة ما يسمى (حديقة الاستقلال) على الجزء الأكبر من أرض المقبرة! ففي عام 1967 حولت المؤسسة الإسرائيلية جزءا كبيرا من المقبرة الى حديقة عامة ، دعيت بحديقة الاستقلال ، بعد أن جرفت القبور ونبشت العظام البشرية وقامت بزرع الأشجار والحشائش فيها ، وشقت الطرقات في بعض أقسامها ، واشتهرت الحديقة باستعمالها وكرا لممارسة أعمال الرذيلة خاصة من الشاذين اليهود .
2- إقامة موقف للسيارات على جزء من المقبرة بعد جرف القبور وتناثر عظام الموتى في أواخر عام 1985م كما ورد في كتاب مساعد مدير الأملاك الوقفية الى مدير الأوقاف.
3- تمديد خطوط كهرباء تحت القبور بتاريخ 15/1/2000 ،حينما قامت شركة الكهرباء الإسرائيلية بأعمال حفريات في المقبرة ، في الجهة المقابلة بجانب الشارع الرئيسي مما تسبب في تناثر عظام الموتى .
4- تجريف القبور وجهت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" رسائل عاجلة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، والسفارات المصرية والتركية والأردنية، تطالب بالتحرك العاجل لإنقاذ مقبرة "مأمن الله" الإسلامية التاريخية في القدس في ظل استهدافها المتواصل من قبل أذرع المؤسسة الإسرائيلية ومخططات لتدميرها وتهوديها كاملاً ...وجاء في الرسالة بتاريخ 25/6/2011م: وتحت غطاء الظلام وفي ساعات الليل المتأخرة قامت جرافات بلدية القدس الإسرائيلية بالدخول إلى مقبرة مأمن الله ودمرت بشكل كامل ما يقارب 500 قبر وشاهد.
وكشف طاقم ” مؤسسة الاقصى ” أن المؤسسة الإسرائيلية ارتكبت جريمة بحق مقبرة مأمن الله بجرف عشرات القبور في مناطق عدة في الجزء المتبقي من مقبرة مأمن الله في الجهات الشمالية الشرقية والشمالية الجنوبية .
ونقل سعيد يقين في دراسته (الحكومة الصهيونية وخطر التضييق والتزوير الحضاري والتاريخي في منطقة القدس ) تعليق الكتاب الإسرائيلي ميرون بنفنسي على هذه السياسة في صحيفة هآرتس الإسرائيلية بقوله :” إن هدم المقابر الإسلامية لم ينبع من ضغوط إحتياجات التنمية والمصلحة العامة ، وإنما بهدف مقصده عملية تطهير عرقي للموتى لأن وجود المقابر تلك دليل على ملكية الأقصى.
3-كتابة الشعارات المعادية : استنكرت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" في بيان لها يوم الخميس 11 / 10 / 2011 بشدة، اعتداء مستوطنين ومتطرفين يهود على مقبرة مأمن الله الإسلامية التاريخية في القدس بكتابتهم شعارات عنصرية ومعادية للعرب على نحو 15 قبراً في المقبرة ، نحو عبارات "الموت للعرب" و"دفع الثمن" و"جفعات أساف "وهو-اسم مستوطنة في الضفة الغربية-، وحاولوا نبش عدد من القبور وتحطيم شواهدها ثم لاذوا بالفرار.
4-شرب الخمور على الأضرحة . استنكرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث بشدة على لسان رئيسها المهندس زكي إغبارية ظهر الأربعاء 17/2/2010م قيام جهات يهودية بإنتهاك حرمة مقبرة مأمن الله وحرمة المدفونين فيها ، وقد قام وفد من ” مؤسسة الاقصى للوقف والتراث ” بزيارة ميدانية للمقبرة لتفقد أحوالها فشاهدوا عددا من زجاجات الخمر ملقاة على بعض القبور وتكسير بعض الزجاجات على القبور .
5-ممارسة الرذيلة والشذوذ بين القبور : عثر الوفد المشار إليه في الموقع نفسه على مخلفات تدل على ممارسات جنسية بين القبور وفوق الأضرحة.
6- بناء مقهى على أرض المقبرة : قامت ما تسمى بلدية القدس ببناء مقهى على أرض المقبرة التاريخية، كإشارة واضحة على إصرار البلدية على مواصلة تدمير وطمس هذا المعلم الإسلامي العربي حتى آخره.
7-بناء مخزن للآليات والمعدات الثقيلة : أقدمت بلدية الاحتلال على اقتطاع مساحة خمسة دونمات من المقبرة في الزاوية الجنوبية الغربية وأحاطتها بالسياج ، وتستعمل مخزنا للآليات والمعدات الثقيلة للمقاولين الذين يعملون في المشاريع المحيطة بالمقبرة حالياً .
8- التخطيط لإقامة حديقة للكلاب.
9- التخطيط لإقامة متحف التسامح إن أكثر ما يستفز في هذا المشروع هو اسمه، فكيف يكون تسامحا وهو مقام على مقابر علماء المسلمين ؟ وأي تسامح يسمح بتجريف رفات العظماء لإنشاء متحف ؟والمتحف بتمويل من مؤسسة فيزنتال في نيويورك .وقد وضع حجر الأساس بتاريخ 2 / 5 / 2004. ويبتلع بناء المتحف 12 دونما من أرض المقبرة بتكلفة 200 مليون دولار.
وشارك والي كاليفورنيا أرنولد شفارتسنجر بوضع حجر الأساس ، وكشف عن الهدف الحقيقي من بناء المتحف بقوله : (( قبل نحو ثلاثة آلاف سنة وقف الملك سليمان في مكان كهذا حتى يبني الهيكل، ونحن على نفس التقليد من الأمل نقف اليوم هنا، وهذا المتحف سيكون المعبد والهيكل الذي سيرشدنا.))
وتشير مخططات المتحف إلى أنه سيكون مبنيين ضخمين ؛
الأول : يسمى الكرامة الإنسانية ،
والثاني : مبنى التسامح .
وقد تسارعت وتيرة التجهيزات لإقامة المتحف، فقد وصلت التبرعات من الولايات المتحدة إلى 200 مليون دولار. وصدرت خارطة للمتحف تحمل رقم (8030) ورخصة رقم (53267) بتاريخ 161 2003.
وفي تاريخ 30 / 10 /2008 أصدرت (المحكمة العليا الإسرائيلية ) قراراً يسمح بالبناء الفوري لـ ” متحف التسامح ” ما تبقى من مقبرة مأمن الله. ورفضت المحكمة الاسرائيلية الاعتراف بقرارات المحكمة الشرعية في غربي القدس ، ضاربة بها عرض الحائط ، وادعت المحكمة الاسرائيلية انه لا توجد صلاحية للمحكمة الشرعية زاعمة أن أرض المقبرة ” املاك الغائبين ” يمكن التعامل معها كأي قطعة ارض أخرى .
وأكدت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث بتاريخ 19/2/2009 أن جرافات تابعة لبلدية الاحتلال بالقدس تقوم منذ أيام بوضع طبقات من الخشب والعشب المطحون لتغطية مساحات من مقبرة مأمن الله ، بهدف طمس معالمها ، وأن منظمة “سيمون فيزنطال” مستمرة بعمليات تجريف في أرض المقبرة وتنفيذ أعمال واسعة في أجزاء أخرى منها ضمن مشروع بناء ما يسمى بـ”متحف التسامح” ، وقامت بتطويق المنطقة بجدار حديدي عال للتغطية على جريمتها. ورصدت مؤسسة الأقصى قيام منظمة “سيمون فيزنطال” بأعمال حفريات واسعة وأعمال إنشائية على نطاق واسع بواسطة آلات حفرية ضخمة وفتح بوابات، ونصب عدد من الخيام في الموقع الذي يتم فيه بناء ما يسمى بـ”متحف التسامح” على مساحة 30 دونماً تقريبا من أرض المقبرة إضافة إلى تركيب كاميرات مراقبة ووضع حراسة على مدار 24 ساعة ومنع تصوير الموقع.
ونشرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث بتاريخ 27/2/2009 ترجمة لمقايلة نشرتها صحيفة "معاريف " مع مسؤول الحفريات الاسرائلية في المقبرة (جدعون سليماني) الذي قال : لو كان الحديث يدور عن قبور أو هياكل يهودية لتغير مسار القضية والملف .... والتقرير الرسمي الذي ألفته أكد انه يحظر البناء في الموقع ، ولكن سلطات الآثار الإسرائيلية أخفت هذا التقرير عن المحكمة العليا ، وادعت انه لا مانع من إقامة ” متحف التسامح “ ، والمحامون الذين ترافعوا على مدار ثلاثة أعوام في ملف مقبرة مأمن الله الإسلامية التاريخية بالقدس يقولون: إن التقرير الذي نشر في صحيفة “معاريف” يؤكد صدق ما قدموه من حقائق للمحكمة العليا من وجود آلاف القبور والهياكل العظمية ورفات الأموات المسلمين في المقبرة وأنه لا يجوز بناء “المتحف” على أرض المقبرة.
وفي تاريخ 12/2/ 2010 رفعت ستون عائلة فلسطينية لها مدافن في المقبرة مذكرة للجهات المسؤولة في الامم المتحدة تطالب بسرعة التحرك لوقف بناء المتحف . وقام مركز الحقوق الدستورية بإرسال المذكرة إلى المقررين المختصين بالحريات الدينية ، وإلى المفوضية العليا لحقوق الانسان, والمدير العام لليونسكو.ويهدف هذا المشروع إلى محو الفوارق الحضارية والعمرانية بين شرقي القدس وغربها عبر استغلال المنطقة الحرام على امتداد السور الغربي.
10-إقامة سوق تجاري على أرض المقبرة .والسوق عبارة عن قاعة طويلة مقببة تضم عددا من المطاعم والملاهي والحوانيت لبيع الهدايا التذكارية ، ويوجد أسفل السوق طبقات لإيقاف السيارات، وتمتد السوق من ماميلا إلى باب الخليل ، والداخل عبر السوق من غرب المدينة يجد نفسه في شرق المدينة دون أن يشعر.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك